languageFrançais

7 أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية ما الثمن الذي دفعه الاقتصاد الروسي؟

منذ أن شنت روسيا عدوانها على أوكرانيا في 24 فبراير قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص وفر الملايين من منازلهم وحدثت أزمات اقتصادية كبيرة حول العالم، ومع اقتراب انتهاء ثمانية أشهر على الحرب هناك الكثير من التكاليف ذات الصلة سواء على الجانب الروسي أو الأوكراني أو العالمي بشكل عام.

لقد كانت الحرب مكلفة بالنسبة لروسيا، فبالإضافة إلى التكاليف العسكرية هناك عقوبات قاسية تم فرضها من الدول الغربية لردع عدوان روسيا، ولكن حتي الآن فعلى ما يبدو أن تلك الطريقة لم تنجح بشكل كافً بدليل أن الحرب لا زالت قائمة على أشُدها، وبرغم ذلك، يعد استبعاد روسيا من الأسواق المالية الغربية والعقوبات المفروضة عليها أكبر ضربة للاقتصاد الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.

تناقض صارخ وتقدير خاطئ

كان من المفترض أن تدمر العقوبات الغربية ضد روسيا الاقتصاد الروسي، وسرعان ما تستنزف الأموال لروسيا لمواصلة حربها العدوانية ضد أوكرانيا، ومع ذلك، في الوقت الحالي لم يتحقق تأثير العقوبات بعد، وأصبحت العملة الروسية والأسعار وأسعار الفائدة الآن تحت السيطرة بشكل أو بآخر بعد أزمة قصيرة الأجل، في حين أن أوروبا التي أصدرت العقوبات هي الآن في خضم أزمة طاقة، تساءل بعض الخبراء عن التناقض الصارخ في هذا.

على عكس الضغط الذي ستعانيه الدول الأوروبية في الشتاء المقبل، فإن روسيا وهي القوة النفطية لا تخشى الشتاء، في الفترة ما بين مارس ويوليو تضاعفت عائدات تصدير الطاقة الهيدروكربونية لروسيا، على الرغم من أن صادرات الطاقة الروسية في انخفاض، وكانت أرباح الشركات الروسية جيدة جدًا في الربع الثاني وكان هناك عدد أقل بكثير من حالات الركود المعلن عنها في روسيا مما كان متوقعا.

بشكل عام تسببت الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية في حدوث ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة والمواد الغذائية وأهمها القمح وأسعار الطاقة، فلم تتسبب الحرب فقط في اختمار أزمة الغذاء ولكن أيضًا أدت إلى موجة من التضخم التاريخي التي تضرب الاقتصاد العالمي الآن.

يعود هذا التأثير العالمي إلى أن روسيا تعتبر ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر مُصدر للغاز الطبيعي، هذا إلى جانب ريادتها في تصدير القمح والأسمدة الزراعية ومعدن البلاديوم، وقد أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار تداول السلع والتي وصلت بعضها إلى مستويات قياسية، فعلي سبيل المثال: سجل النفط هذا العام أعلى مستوي له منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

في الوقت الذي يواجه فيه العالم أسوأ نقص في الطاقة منذ حظر النفط العربي في السبعينيات، تحاول الدول تقليل اعتمادها على النفط والغاز الطبيعي ومنتجات النفط الروسية، بل وحتى فرض قيود على الأسعار مما يزيد الأزمة سوءًا.

ارتفعت أسعار الغاز بالجملة في أوروبا بعد أن قطعت روسيا إمدادات الغاز إلى خط أنابيب نورد ستريم 1 الذي يصل إلى ألمانيا، وحذر بنك جولدمان ساكس من أن الإغلاق الكامل لشركة غازبروم سيدفع الاقتصاد الأوروبي نحو الركود حيث من المقرر أن يتقلص اقتصادا ألمانيا وإيطاليا بشكل حاد.

هل العقوبات غير فعالة؟ 

من الصعب إعطاء إجابة محددة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن روسيا توقفت عن إصدار قدر معين من البيانات الاقتصادية الرئيسية، كما أن المعلومات المتاحة أيضًا مختلطة، أما بالنسبة لاستخدام روسيا للكهرباء فهو في ارتفاع مرة أخرى وهي علامة موثوقة بشكل عام على كثافة النشاط.

نشر الاقتصاديون في جامعة ييل بالولايات المتحدة دراسة مطولة في يوليو تشير إلى أن الاقتصاد الروسي ينهار من الداخل، على الرغم من أن روسيا بالكاد مرئية إلا أنها بعيدة كل البعد عن التأثر بحظر البضائع الوسيطة، ولكن لا تستطيع روسيا تصنيع السيارات أو مجرد صيانة الطائرات، فالتراجع الحاد في سوق السيارات دليل على ذلك حيث باعت روسيا 27 ألف سيارة جديدة فقط في يونيو مقارنة بالمتوسط الشهري قبل الحرب البالغ 100 ألف سيارة.

يعتقد الخبراء أن العقوبات تلحق الضرر بالاقتصاد الروسي أمر لا مفر منه، أشعلت الحرب هجرة جماعية للكثيرين وتخشى الشركات الصينية التجارة الروسية، وعلي الرغم من شراء بكين للنفط الروسي إلا إنها لم تحل محل الموردين الغربيين لتزويد روسيا، وعلى عكس كل التوقعات تراجعت الصادرات الصينية إلى روسيا بشكل حاد منذ بداية العام، يجب القول أنه في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام سيكون تأثير العقوبات ضد روسيا واضحًا.

من الناحية العملية، يمكن أن تكون العقوبات فعالة لكنها ليست سلاحًا فائق الفعالية على المدى القصير، جزء من السبب هو أن السلطات الروسية وضعت سياسات متشددة بسرعة للتخفيف من التأثير، أفضل مثال على ذلك هو الدفاع عن الروبل، فبعد تراجعه عادت العملة الروسية إلى أفضل مستوياتها مقابل العملات الأجنبية، دافع بوتين أيضًا عن أقل قوة شرائية: فقد زادت المعاشات التقاعدية وتم تشجيع الشركات بشدة على الاحتفاظ بوظائف على غرار ما فعله الغرب خلال جائحة كوفيد -19، هذه التدابير الداعمة تضمن هدوءًا اجتماعيًا معينًا، في روسيا اعتاد الناس على النجاة من الأزمات بما في ذلك الأزمات الاقتصادية، وعلى أي حال فقد تشهد روسيا ركودها الخامس خلال 25 عامًا.

كيف تصدت روسيا للعقوبات الغربية؟

منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في نهاية فبراير كان من المتوقع أن يتضرر الاقتصاد الروسي بشدة بعد أن فرض الغرب عقوبات عليه، مما يتسبب في سقوط الاقتصاد في ركود عميق، ويمكن للغرب أن يغتنم الفرصة لإضعاف القوة الوطنية لروسيا، لكن البيانات الاقتصادية القليلة التي صدرت أظهرت أنه بعد غزو روسيا لأوكرانيا لمدة ستة أشهر كان الركود الاقتصادي أقل حدة مما توقعته جميع الأطراف، وقد اعترف الاقتصاديون بأن الاقتصاد الروسي قد يكون أكثر مرونة مما كان يتصور.

قطعت العقوبات الغربية حوالي نصف احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية الطارئة والذهب وفرضت قيودًا صارمة على المعاملات مع البنوك الروسية وقطعت الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية مما أدى إلى انسحاب مئات الشركات الغربية الكبيرة من روسيا، توقعت الأسواق أن تشل العقوبات الاقتصاد الروسي، وقال الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في ذلك الوقت إن الحرب الروسية سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسي.

في الواقع، توقعت روسيا أيضًا في أوائل شهر مايو أن يكون للعقوبات تأثير اقتصادي كبير، ولكن يبدو أن الاستراتيجيات المضادة مفيدة في الوقت الحالي، فالاقتصاد الروسي أكثر مرونة مما توقعه البعض حتى مع نضوب الواردات الروسية وحظر المعاملات المالية والتخلف عن سداد الديون الخارجية.

تبنت روسيا ثلاث استراتيجيات دفاعية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وهي استبدال الشركاء التجاريين والتهرب من العقوبات والإجراءات المحلية لتعويض الأثر، على الرغم من أن العديد من الدول قد أضافت عقوبات فإن بعض الدول الرئيسية لم تفعل ذلك مثل الصين والهند وتركيا وكلها زادت من واردات النفط الروسية، كما أدى رفض المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لزيادة الإنتاج بشكل كبير إلى ارتفاع أسعار النفط الخام مما عوض التخفيضات الروسية وزيادة عائدات النفط الروسية، كما عملت استراتيجية العملة في البنك المركزي الروسي وعائدات النفط على استقرار قيمة الروبل، في حين ساعدت زيادة المعاشات التقاعدية للمتقاعدين ومساعدات الشركات في تخفيف الضغط على المواطنين الروس العاديين.

لم يكن الوضع الاقتصادي لروسيا هذا العام بالسوء المتوقع، رفع صندوق النقد الدولي (IMF) مؤخرًا توقعاته للناتج المحلي الإجمالي لروسيا هذا العام من -8% إلى -6% وهو ما يشبه توقعات روسيا نفسها، في بداية الحرب توقعت روسيا تراجع الاقتصاد بنسبة 12%، وكان انكماش الناتج المحلي الإجمالي الذي تم الإبلاغ عنه مؤخرًا بنسبة 4% في الربع الثاني أقل بكثير من التوقعات، كما تضاعف ميزان الحساب الجاري لروسيا بأكثر من ثلاثة أضعاف في الربع الثاني ليسجل فائضًا قياسيًا بلغ 167 مليار دولار، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط والغاز بالجملة إلى تضخم الصادرات وتسببت العقوبات الغربية في انخفاض الواردات.

نما الجدل حول مدى الضرر الذي يلحقه الغرب بالاقتصاد الروسي بمرور الوقت، يشير البعض إلى الأداء القوي لصادرات النفط والروبل دليل على أن روسيا تجاوزت الأزمة، ومع ذلك على المدى الطويل سينخفض الاقتصاد الروسي في النهاية لفترة طويلة بسبب فقدان التكنولوجيا والاستثمار الغربي، ويتوقع البنك المركزي الروسي أن العام المقبل سيكون التحدي حيث من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بشكل أكثر حدة ولن يُستأنف النمو حتي عام 2025، وسيصل معدل التضخم إلى 15% بنهاية العام الجاري.